الحقائق المفقودة فى الجدل الدائر حول النزاع الحدودى الارترى الاثيوبى
1. السبب الأساسي للنزاع الحدودي
2. القصة الحقيقية وراء "الاحتجاجات" في "بادمى وضواحيها."
3. مواصلة الاجندة الخفية عن طريق نشر التضليل والتشويش
4. لغز صمت إسياس
5. الطريق إلى السلام الدائم
1-السبب الأساسي للنزاع الحدودي
تم تحديد الحدود بين إرتريا وإثيوبيا من خلال ثلاث معاهدات استعمارية (1900 و 1902 و 1908)، بالاستعانة بمراجع طبيعية وهندسية واضحة لتحديد القطاعات الوسطى والغربية والشرقية من الحدود. وعلى هذا النحو، ظلت الحدود مستقرة خلال الحكم الاستعماري الإيطالي (1890-1941)، وكذا خلال فترة الاحتلال العسكري البريطاني (1941-1952)، وايضا فترة الاتحاد مع إثيوبيا (1952-1962)، ثم فترة الضم الإثيوبي القسرى (1962-1991). واحتفظت هذه المناطق بوضعها القانوني بحكم القانون وبحكم الواقع طوال قرن كامل. فقط في عام 1997 م أصدرت إدارة او حكومة اقليم تيغراي، وبمساعدة الوكالة الألمانية للتعاون الفني (GTZ، الآن GIZ)، خريطة جديدة لمنطقة تيغراي الإدارية (Weyin, 1997)التي قامت من جانب واحد التاريخ باعادة رسم الحدود التى كانت وفق المعاهدات الاستعمارية بين إرتريا وإثيوبيا، وقامت بضم مساحات شاسعة من الأراضي الإرترية السيادية التي لم يسبق ان حدث نزاع حولها حتى الآن (انقر هنا للحصول على مزيد من المعلومات). بالمناسبة، تضمنت هذه الخريطة الجديدة الموسعة لتجراى مساحات كبيرة جديدة من المناطق الإثيوبية الاخرى المجاورة من اقليم "بيغمدير" واقليم "وللو"، وهي قضايا تسببت في الآونة الأخيرة باحتجاجات في منطقة "ولغايت" ' و"رايا".
الخريطة الجديدة التى ضمنت او ادمجت في الخريطة الجديدة لإثيوبيا والتي أصدرتها هيئة الخرائط الإثيوبية ونقشتها او طبعتها فى العملة الإثيوبية الجديدة، غيرت الحدود الدولية لإرتريا مع إثيوبيا لأول مرة منذ قرن (Splinter سبلينتر، 1998، ص 245-272). وعقب إصدارها، استخدمت هذه الخريطة كمبرر لتنفيذ مخطط انتهاك المناطق غير المتنازع عليها حتى الآن في الأراضي الخاضعة للسيادة الإرترية، والقيام بتفكيك الهياكل الإدارية الإرترية فيها، وطرد المواطنين الإرتريين، وإنشاء سلطة إدارية تجراوية على الأراضي التي أدمجت حديثا في الأراضي الإرترية.
وقد أدى كل ذلك إلى نزوح السكان الارتريين القاطنين في المناطق الحدودية المتأثرة بهذه الممارسات والى زعزعة استقرار المناطق الحدودية، وقد أدى العجز عن نزع فتيل التوتر الناجم عن ذلك وعدم القدرة عل حل القضية من خلال المشاورات أو المفاوضات الثنائية إلى اندلاع الأعمال العدائية بين إرتريا وإثيوبيا، ثم أدى إلى نشوب حرب شاملة فى خاتمة المطاف. وبما أن جهود الوساطة الدولية التي بذلتها أطراف ثالثة صديقة (الولايات المتحدة، ورواندا، وجيبوتي، ومنظمة الوحدة الأفريقية) لم تكن قادرة على وقف المد المتصاعد للأعمال العدائية، فقد خاض الجاران فى الفترة وقد أدى ذلك إلى نزوح الناس في المناطق الحدودية المتأثرة وزعزعة استقرار المناطق الحدودية. وقد أدى عدم القدرة على نزع فتيل التوتر الناجم عن ذلك وحل القضية من خلال المشاورات الثنائية أو المفاوضات في نهاية المطاف إلى اندلاع أعمال القتال بين إريتريا وإثيوبيا وأدى إلى نشوب حرب شاملة. وبما أن جهود الوساطة الدولية التي بذلتها أطراف ثالثة صديقة (الولايات المتحدة، ورواندا، وجيبوتي، ومنظمة الوحدة الأفريقية) لم تكن قادرة على وقف المد المتصاعد للأعمال العدائية، فقد خاض الجاران فى الفترة حرباً (1998 -2000) حربا لا داعي لها، يمكن تجنبها.
2-القصة وراء "الاحتجاجات" في منطقة "بادمى وضواحيها"
مظاهرات "الاحتجاج" في "بادمي وضواحيها" لا تحكي القصة الحقيقية. فهؤلاء المتظاهرون على الأرجح محرضون من قبل دعاة حركة " تجراي الكبرى .وتسمية "بادمي وضواحيها" هى مصطلح ابتدعته إثيوبيا لأول مرة للإشارة إلى جميع الأراضي الإرترية التي تدعي أنها تطالب بها. يجب علينا أن نتذكر عمليات الترحيل الجماعي للإرتريين من إثيوبيا والتي بررها رئيس الوزراء ملس زيناوي حينها بالقول :- "إن أي أجنبي ، سواء أكان إرتريًا أو يابانيًا ، إلخ ، يعيش في إثيوبيا غانه يعيش فيها بفضل حسن نية الحكومة الإثيوبية. وإذا ابلغتهم الحكومة الإثيوبية بأن: "اخرجوا ، لأننا لا نحب لون عينيكم "، فعليهم حينها المغادرة (حديث ملس زيناوى فى التلفزيون الاثيوبى 9 يوليو 1998(. خلال الحرب، قامت حكومة إثيوبيا التي يهيمن عليها تنظيم الجبهة الشعبية لتحرير تجراى بعمليات ترحيل جماعي لأكثر من 75000 إرتري كانوا يعيشون فى إثيوبيا. وكان الإرتريون من سكان بادمي وضواحيها، الذين أجبروا على الاختيار بين حمل الجنسية الإثيوبية أو الطرد، من بين هؤلاء الأكثر من 75000 من الإرتريين الذين تم طردهم وإجلاؤهم ومصادرة ممتلكاتهم.
بعد قرار قرار مفوضية ترسيم الحدود EEBC الصادر في 13 أبريل 2002، جلبت حكومة ولاية تجراي الإقليمية مواطنين اثيوبيين من مناطق مختلفة من اقليم تجراي وبدأت اعتبارًا من يوليو 2002 بتوطينهم في هذه الأراضي الإرترية المحتلة من "بادمي وضواحيها". نفس الحكومة الاثيوبية التى يهيمن عليها تنظيم الجبهة الشعبية لتحرير تجراي تحدى قرار مفوضية ترسيم الحدود (EEBC) الذى يامر بتفكيك ووقف المستوطنات غير القانونية وينص على ما يلي:
ب) - لا ينبغي بعد 13 أبريل 2002 أن تتم أي إعادة توطين لرعايا إثيوبيين برعاية الحكومة الإثيوبية في منطقة "ديمبي منغول"؛
ج: يجب على إثيوبيا:
"i" ان تقوم فورا بالترتيبات اللازمة لاعادة هؤلاء الأشخاص الاثيوبيين، الذين ذهبوا من اثيوبيا للاقامة فى "ديمبي منغول" بمقتضى برنامج إعادة توطين إثيوبي منذ 13 أبريل 2002 ، إلى أثيوبيا[...]
د- على كل طرف ان يضمن عدم إجراء المزيد من إعادة التوطين للسكان عبر خط الحدود الذي حدده قرار مفوضية ترسيم الحدود الصادر في 13 أبريل 2002.
بالإضافة إلى قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذى:
7 - يدعو الأطراف إلى الامتناع عن اى تحركات للقوات أو السكان من طرف واحد، بما في ذلك إنشاء أي مستوطنات جديدة في المناطق القريبة من الحدود ، إلى أن يتم ترسيم الحدود ونقل السيطرة على الأراضي بصورة منظمة ، وفقا للمادة 4-16 من اتفاق السلام الشامل [ اتفاقية الجزائر] ؛ - قرار مجلس الأمن 1430 (2002.(
عندما واصلت إثيوبيا تجاهل قرارات مفوضية ترسيم الحدوEEBC، أكدت المفوضية من جديد" أن قرار تعيين الحدود الصادر في 13 أبريل 2002 والمتعلق بكامل منطقة الحدود بين الطرفين يعتبر نهائى وملزم ". وعلاوة على ذلك، حكمت المفوضية بأن:
إثيوبيا تعتبر, في حال إخفاقها في إبعاد الأشخاص من أصول إثيوبية الذين انتقلوا إلى تلك المنطقة بعد تاريخ قرار تعيين الحدود من الأراضي الإرترية, "دولة لم تمتثل لالتزامات (EEBC: Determinations, 7 November 2002)"
لذا يكون من الضروري النظر الى "الاحتجاجات" في "بادمي وضواحيها"- التي يبدو انها تتم بشكل منسق - في سياق المستوطنات غير القانونية التي أنشئت بعد قرار تعيين الحدود الصادر عن مفوضية ترسيم الحدود. (EEBC) فمعظم السكان الحاليين هم مستوطنون تجراويون بعد أن أجبروا الإرتريين إما على حمل الجنسية الإثيوبية أو ترحيلهم من قراهم الأصلية.
وفقا لقرار اللجنة التنفيذية الصادر عن الحزب الحاكم فى اثيوبيا "الاهودق " (EPRDF) والذى يقر بقبول قرار مفوضية ترسيم الحدود (EEBC) النهائي والملزم دون اى شروط، ينبغى على الحكومة الإثيوبية أن تجد الآن حلاً للعواقب المترتبة على عمليات التهجير والتوطين غير الشرعية التى تقوم بها حكومة اقليم تجراي، لتمكين الترسيم او التحديد المادي للحدود واعادة العلاقات السلمية بين إرتريا وإثيوبيا.
3- مواصلة الاجندة الخفية عن طريق نشر التضليل والتشويش
البيانات والتصريحات الصادرة عن المسؤولين البارزين السابقين منهم والحاليين في الجبهة الشعبية لتحرير تجراي، وفى وسائل الإعلام التجراوية ووسائل التواصل الاجتماعي (وبعض وسائل الإعلام الإرترية المضللة على الإنترنت) كانت تحذف أو تحرف او تشوه الحقائق التي ظهرت على أرض الواقع في الأراضي الحدودية بين إثيوبيا وإرتريا منذ 1997.
هذه التحركات صُممت بغرض خلق الغموض والتشويش على القضايا الحقيقية المطروحة من أجل عرقلة مبادرة رئيس الوزراء الجديدة الجريئة لاستعادة السلام الدائم من خلال تطبيق قرار مفوضية ترسيم الحدود EEBC. لقد حان الوقت للتخلي عن السعي إلى تحقيق طموحات توسعية على حساب المصالح العليا للشعبين الإرتري والإثيوبي، وعلى حساب السلام والأمن والاستقرار الإقليميين.
4- اللغز وراء صمت اسياس
لقد استخدم اسياس حالة اللا حرب واللا سلم كذريعة لعدم تطبيق الدستور الذى تمت المصادقة عليه فى عام 1997 ولعدم إجراء انتخابات وطنية. وقد استغل هذه الحالة أيضًا لتبرير فرض برنامج الخدمة الوطنية غير محدود إلأجل، وذلك على الرغم من ان تلك المدة محددة بوضوح في مرسوم عام 1995 ب 18 شهرًا فقط (انقر هنا للحصول على مزيد من المعلومات).
فتحت غطاء حماية الأمن القومي، استغل إسياس حالة اللا سلم واللا حرب والحالة الانسانية المزرية التى ابتلى بها شعبنا الارترى تحت حكمه لشخصنة سلطة الدولة وممارسة القمع الوحشي. لهذا، فمن البديهى ان يفاجئه إعلان رئيس الوزراء الإثيوبي الجديد عن القبول غير المشروط لقرار مفوضية ترسيم الحدود والاستعداد لتطبيقه.
إن إزالة هذه الحالة من اللا سلم، واللا حرب يحرمه من استغلال ذريعةحماية الأمن القومي ويضع اسياس في مأزق - ففي كلتا الحالتين، يمكن أن يكون بداية لنهاية تفكك دكتاتوريته. لهذا فإن حقيقة أنه غير قادر أو غير راغب في الرد على هذه المبادرة يمكن ان يكون انعكاسا لهذا القلق.
في مناسبات عديدة، ذكرت للمسؤولين الإثيوبيين أنه إذا نفذت إثيوبيا اتفاق الجزائر وسحبت قواتها من الأراضي الخاضعة للسيادة الإرترية، فإنها بذلك ستسحب البساط من تحت أقدام إسياس. وبالنظر إلى تطور الديناميكيات التاريخية التي تدخل الآن حيز التنفيذ، يبدو أن النظام قد حشر نفسه في الزاوية حيث يواجه إسياس الآن ورطة من نوع الذى يجد فيه المرء نفسه: ملعون إن فعلها، وملعونًا إن لم يفعلها.
ربما يكون اسياس خائفا من أن أي من الطريقين سيجلب له الخراب. فهو يواجه معضلة، لأن ذلك قد يكون بداية نهاية نظامه. فمع بروز خاتمة فى الافق لوضع نهاية لحالة اللا حرب واللا سلم، لن يكون هناك أي عذر للنظام لمواصلة نهجه القديم كالمعتاد. فلدى إرتريا مئات الآلاف من الجنود في الخنادق ولن يكون هناك بعد الآن أي مبرر لإبقائهم على الحدود بين إرتريا وإثيوبيا. كما نلاحظ من ناحية اخرى ان إسياس قد دمر الاقتصاد الإرتري الذى هو اصلا ضعيف وهش للغاية ولا يتسنى له استيعاب هؤلاء الجنود بعد التسريح في الحياة المدنية.
وبالنظر إلى انعدام الثقة الهائل الناجم عن تاريخ تقلب وتغير المواقف المتكرر والمستمر لإثيوبيا تجاه ما يتعلق بقرارات التعيين والترسيم النهائية والملزمة التي اتخذتها مفوضية ترسيم الحدود EEBC، فإن الإرتريين سيصدقون فقط ما يشاهدونه. ولذلك ينتظر الإرتريون إثيوبيا أن تمضي في الكلام وتتبع إعلانها بإجراءات ملموسة.
وبخلاف ذلك، فإنه ليس هناك اى شك في أن الشعب الإرتري وقوات الدفاع الإرترية، ومعظم كبار المسؤولين الإرتريين يبتهجون لإمكانية تحقيق سلام دائم، ولامكانية التمتع بحياة أفضل من الحرية والديمقراطية والرخاء التى حرموا منها طويلا والتى اصبحت الآن في متناول اليد.
5-الطريق إلى السلام الدائم
مع توفر الإرادة السياسية الحقيقية، فإن التقدم إلى الأمام فى الطريق بسيط وبشكل مستقيم. لهذا ينبغى أن يعني القبول الكامل والتطبيق غير المشروط والانسحاب الفوري للقوات الإثيوبية من الأراضي الخاضعة للسيادة الإرترية وفقاً للترسيم الافتراضي لمفوضية ترسيم الحدودEEBC، وتفكيك المستوطنات التيجراوية التي أُقيمت على أراضي خاضعة للسيادة الإرترية منذ يوليو 2002 وتمكين عودة الإرتريين المهجرين إلى قراهم الأصلية "بادمي وضواحيها". وهذا يمهد الطريق للحوار الثنائي لحل جميع القضايا العالقة والناجمة عن الصراع الحدودي وعودة العلاقات الطبيعية بين إرتريا وإثيوبيا.